فصل: ما جاء على أفعل من هذا الباب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأمثال **


921- سَنُجَرِّبُكَ إِذَنْ‏.‏

وذلك أن رجلا مات فجعل أخوه يبكيه ويقول‏:‏ وا أخَاه، كان خيرا مني، إلا أني أعْظَمُ جُرْدَاناً منه، فقالت امرأة الميت‏:‏ سنجَرِّبُك إذن، فذهبت مثلا‏.‏

يضرب لمن ادَّعَى أمرا فيه شبهة‏.‏

922- جِبَابٌ فَلا تَعْنَ أَبْرَا‏.‏

قالوا‏:‏ الجباب‏:‏ الْجُمَّار، قلت‏:‏ والصحيح أن الجِبَابَ جمع جُبّ، وهو وِعاء الطَّلْع، ويقال له أيضاً‏:‏ جُفّ، وفي الحديث أن دفين النبي صلى الله عليه وسلم جعل في جُبِّ طلعة، والأبْرُ‏:‏ تَلْقيح النخل وإصلاحه ‏.‏

يضرب للرجل القليل الخير، أي هو جِباب ولا طَلْع فيه فلا تعن في إصلاحه‏.‏

923- جَدُّ امْرِئٍ فِي قَائِيِهِ‏.‏

أي يتبين جَدُّك في قائِتِك الذي يَقُوتك‏.‏

924- جَاءَتْهُمْ عَوَاناً غَيْرَ بِكْرٍ‏.‏

أي مستحكمة غير ضعيفة، يريدون حَرْبا أو داهية عظيمة‏.‏

925- جَاءَ بِالَّتي لاَ شَوَى لَهَا‏.‏

الشَّوَى‏:‏ الأطراف مثل اليدين والرجلين والرأس من الآدميين وغيرهم، أي جاء بالداهية التي لا تُخْطِئ، أو التي لا طَرَفَ لها ولا نهاية‏.‏

926- جَبَانٌ ما يَلْوِى عَلَى الصَّفِير‏.‏

ما يَلْوِى‏:‏ أي ما يُعَرَّجُ لشدة جُبْنه على من يَصْفر به‏.‏

927- أَجْرِ الأُمُورَ عَلَى أَذْلاَلِهَا‏.‏

أي على وُجُوهها التي تصلُح وتسهل وتتيسر، ويقال‏:‏ جاء به على أذلاله، أي على وَجْهه، ويقال‏:‏ دَعْه على أَذْلاَله‏:‏ أي على حاله، أنشد أبو عمرو للخَنْساء‏:‏

لتُجْرِ المنِيَّةُ بعد الْفَتَى الْـ * ـمُغَادَرِ ‏(‏المغادر‏)‏ بالمحو أذْلاَلَها ‏[‏ص 175‏]‏

ويروى ‏"‏المغادر بالنعف‏"‏ وهما موضعان وأرادت لتجر المنية على أذلالها فحذفت على فوصل الفعل فنصب، وواحد الأذلال ذِلٌّ بالكسر، قال المرزوقي‏:‏ ومعنى البيت لَسْتُ آسى على شيء بعده فلتجر المنية على طرقها‏.‏

928- الْجَمَلُ مِنْ جَوْفِهِ يَجْتَرُّ‏.‏

يضرب لمن يأكل من كَسْبه أو ينتفع بشيء يَعْود عليه بالضرر‏.‏

929- جَاءَ نَافِشاً عِفْرِيَتَهُ‏.‏

إذا جاء غَضْبان، والعِفْرِيَةُ‏:‏ عُرْفُ الديك، وكذلك العفراء‏.‏

930- جَاءَ بِالشُّقَرِ وَالبُقَرِ وَبِبَنَاتِ غَيْرٍ ‏.‏

ويروى ‏"‏بالصُّقَر‏"‏ والغَيرْ‏:‏ الاسم من قولك ‏"‏غَيَّرْتُ الشيء فتغير‏"‏ ويراد ههنا جاء بالكلام المغيَّرِ عن وَجْه الصدق، والشُّقَر والبُقَر‏:‏ اسم لا يُعْرف، أي جاء بالكذب الصريح‏.‏

931- جَاءَ وَفِي رَأْسِهِ خُطَّةٌ‏.‏

إذا جاء وفي نفسه حاجة قد عَزَم عليها والأصل في هذا أن أحدهم إذا حَزَبه أمرٌ أتى الكاهِنَ فخَطَّ له في الأرض يَسْتَخْرِج ما عَزَم عليه، والخُطَّة‏:‏ فُعْلة بمعنى مَفْعولة، نحو الغُرْفَة من الماء واللُّقْمَة والنُّجْعَة اسم لما ينتجع، أخِذَتْ من الخَطِّ الذي يستعمله الكاهن في وقوع الأمر‏.‏

932- جَاءَ بِصَحِيَفِة المُتَلَمِّسِ‏.‏

إذا جاء بالداهية، وقد ذكَرْتُ قصتَه في باب الصاد‏.‏

933- جَعَلَ اللّهُ رِزْقَهُ فَوْتَ فَمِهِ‏.‏

أي جعله بحيث يَرَاه ولا يَصِلُ إليه‏.‏

934- جَنْدَلَتَانِ اصْطَكَّتَا‏.‏

يضرب للقِرْنَيْنِ يتصاولان‏.‏

935- جَزَيْتُهُ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ‏.‏

يضرب في المُكافَأة ومُسَاواتها‏.‏

936- جَارُهُ لَحْمُ ظَبْيٍ‏.‏

يضرب لمن لا غَنَاء عنده، قال الشاعر‏:‏

فَجَارُكَ عند بيتِكَ لحمُ ظَبْيٍ * وجارِي عِنْدَ بيتي لا يُرَامُ

937- جَمَالَكَ‏.‏

أي الْزَمْ ما يُورِثُكَ الْجَمَالَ، يعني أَجْمِلْ ولا تفعل ما يَشِينُكَ‏.‏

938- جَاءَ صَرِيمَ سَحْرٍ‏.‏

إذا جاء آيسا خائبا، قاله ابن الأعرابي، وأنشد‏:‏

أَيَذْهَبُ ما جَمَعْتُ صريمَ سَحْرٍ * طليفاً‏؟‏ إنَّ ذَا لَهُوَ الْعَجِيبُ

قلت‏:‏ الصَّرِيم بمعنى المَصْرُوم، ‏[‏ص 176‏]‏ والسَّحْر‏:‏ الرئَةُ، والطليف - بالطاء والظاء - المجَّانُ، يقال‏:‏ ذهب فلان بغلامي طليفا، أي بلا ثمن، وتقدير البيت‏:‏ أيذهب ما جمعته وأنا مجهود مكدود مَجَّانا، والصَّرْم‏:‏ القَطْع‏.‏

939- جَاءَ بِذَاتِ الرَّعْدِ وَالصَّلِيلِ‏.‏

إذا جاء بشر وَعْر، يعني جاء بسحابة ذات رَعْد، والصَّليل‏:‏ الصَّوْتُ‏.‏

940- اجْعَلُوا لَيْلَكُمْ لَيْلَ أَنْقَدَ‏.‏

يضرب في التحذير، لآن القُنْفُد لا ينام ليلَه‏.‏

941- جَاؤُا عَلَى بَكْرَةِ أَبِيهمْ‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ أي جاؤا جميعاً لم يتخلَّف منهم أحد، وليس هناك بكرة في الحقيقة‏.‏ وقال غيره‏:‏ البَكْرَة تأنيث البَكْر وهو الفتيُّ من الإبل، يصفهم بالقِلَّة، أي جاؤا بحيث تحملهم بكرة أبيهم قِلَّة، وقال بعضهم‏:‏ البكرة ههنا التي يُسْتَقَى عليها، أي جاؤا بعضهم على أثَرِ بعضٍ كدَوَرَان البكرة على نَسَق واحد، وقال قوم‏:‏ أرادوا بالبكرة الطريقَةَ، كأنهم قالوا‏:‏ جاؤا على طريقة أبيهم أي يَتَقَيَّلُون أثرَه، وقال ابن الأعرابي‏:‏ البكرة جماعة الناس، يقال‏:‏ جاؤا على بَكْرتهم، وبَكْرة أبيهم، أي بأجمعهم قلت‏:‏ فعلى قول ابن الأعرابي يكون ‏"‏على‏"‏ في المثل بمعنى مع، أي جاؤا مع جماعة أبيهم أي مع قبيلته، ويجوز أن يكون ‏"‏على‏"‏ مِنْ صلة معنى الكلام، أي جاؤا مشتملين على قبيلة أبيهم، هذا هو الأصل، ثم يستعمل في اجتماع القوم وإن لم يكونوا من نسب واحد، ويجوز أن يراد البكرة التي يستقى عليها، وهي إذا كانت لأبيهم اجتمعوا عليها مُسْتَقِينَ لا يمنعهم عنها أحد، فشبه اجتماع القوم في المجيء باجتماع أولئك على بكرة أبيهم‏.‏

942- جِئْتَ بِأَمْرٍ بُجْرٍ وَدَاهِيَةٍ نُكْرٍ‏.‏

البُجْر‏:‏ الأمر العظيم، وكذلك البُجْرِيُّ والجمع البَجَارِي‏.‏

943- جَذَّ اللّهُ دَابِرَهُمْ‏.‏

أي استأصلهم وقطع بقيتهم، يعني كل من يخلفهم ويدبرهم، وقال‏:‏

آل المهلب جَذَّ اللّه دَابِرَهُمْ * أمْسَوْا رَمَاداً فلا أصْلٌ وَلاَ طَرَفُ

أي لا أصل ولا فرع‏.‏

944- جَلَوْا قَمّاً بِغَرفَةٍ ‏.‏

الغَرَفَة‏:‏ الثُّمَام بعينه لا يُدْبَغ به، وإنما يُجَذُّ للمكانس، والغَرْف - بسكون الراء - يدبغ به، والقَمُّ‏:‏ الكَنْس‏.‏

وأصل هذا أن رجلا سأل أعرابيا عن ‏[‏ص 177‏]‏ قوم كانوا في محلة، فقال له‏:‏ جَلَوْا قَمًّا بِغَرَفَة، أي جَلَوْا وتحوّلوا عن محلتهم فخلا ذلك لموضُع منهم وعَفَتْ آثارهم كما يُقَمّ المكان بالغَرَفَة، ونصب ‏"‏قما‏"‏ على المصدر، كأَنه قال‏:‏ جَلَوا جَلاَءَ كاملا تاما، فكأن مكانهم قُمّ منهم قما بمكنسة‏.‏

945- جَاؤُا عَنْ آخِرِهِمْ، وَمِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ‏.‏

أي لم يَبْقَ منهم أحد إلا جاء‏.‏

946- جُرُفٌ مُنْهَالٌ، وَسَحَابٌ مُنْجَالٌ‏.‏

يقولون‏:‏ كيف فلان‏؟‏ فيقال‏:‏ جُرُفٌ منهال، أي لا حَزْم عنده ولا عقل، والْجُرُف‏:‏ ما تجرّفته السيولُ من الأودية، والمُنْهال‏:‏ المُنْهار، يقال‏:‏ هُلْتَه فانهال، أي صببته فانْصَبَّ، والسحاب المنجال‏:‏ المنكَشِف، يراد أنه لا يطمع في خيره‏.‏

947- جَدْبُ السَّوْءِ يُلْجِئُ إِلى نُجْعَةِ سَوْءٍ‏.‏

يعني أن الأمور كلها تتشاكل في الجودة والرداءة، فإذا كان جَدْبُ الزمان بَلَغَ النهاية في الشر ألجأ إلى شر نُجْعَة ضرورة ‏.‏

948- جَاءَ يَفْرِي الفَرِيَّ وَيَقُدُّ‏.‏

أي يعمل العجب‏.‏

يضرب لمن أجاد العملَ وأسرع فيه‏.‏

قلت‏:‏ الفَرِيُّ فَعِيل بمعنى مفعول، وفَرِيَ بالكسر يَفْرَي فَرًى تحيَّر ودهش، والفَرْىُ‏:‏ القطع والشَّقّ، وكذلك القد، فقولهم ‏"‏يفري الفرى‏"‏ أي يعمل العملَ يفري فيه أي يتحير من عجيب الصنعة فيه، ومنه قوله تعالى ‏{‏لقد جئت شيئاً فَرِيا‏}‏ أي شيئا يتحير فيه ويتعجب منه‏.‏

949- جَزَاهُ جَزَاءَ شَوْلَةَ‏.‏

هذا مثل قولهم ‏"‏جزاء سِنِمَّار‏"‏ في أنهما صَنَعَا خيراً فَجُزِيا بصنيعهما شراً، وقال‏:‏

جَزَتْنَا بنو لَحْيَانَ أمسِ بِفِعْلِنَا * جَزَاء سِنِمَّارٍ بمَا كَانَ يَفْعَلُ

والسنمار في لغة هُذَيل‏:‏ اللِّصُّ، وذلك أنهم يقولون للذي لا ينام الليل سنمار، فسمى اللص به لقلة نومه‏.‏

950- جَاءَ كأَنَّ عَيْنَيْه فِي رمْحَيْنِ‏.‏

يضرب لمن اشتدَّ خوفُه ولمن اشتد نَظَره من الغضب، وكأنهم عَنَوْا به برق بصره كما يبرق السنان‏.‏

951- جَاءَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ‏.‏

الفَرِيصَة‏:‏ لُحْمة بين الثَّدْي ومرجع الكَتفِ، وهما فريصتان، إذا فزع الرجلُ أو الدابة أرْعِدَتَا منه‏.‏ ‏[‏ص 178‏]‏

يضرب للجَبَان يَفْزَع من كل شيء‏.‏

952- جَاءَ يَتَخَرَّمُ زَنْدُهُ‏.‏

أي جاء ساكنا غَضَبُه، يقال‏:‏ تخرّم زَنْدُ ‏(‏في القاموس والصحاح ‏"‏تخرم زبد فلان‏"‏ بالباء في ‏"‏زبده‏"‏ لا بالنون‏)‏ فلانٍ، أي سكن غضبه، ويقال‏:‏ معناه جاء يركبنا بالظلم والحُمْقِ، فإن صح هذا فهو من قولهم ‏"‏تَخَرَّمهم الدهر‏"‏ و ‏"‏اخترمهم‏"‏ أي استأصلهم‏.‏

953- جَلِيلةٌ يَحْمِى ذَرَاهَا الأَرْقَمُ‏.‏

الجَلِيل‏:‏ الثُّمَام، والذَّرَى‏:‏ الكَنَفُ ‏.‏

يضرب للضعيف يكنفه القوي ويعينه‏.‏

954- جَلِيفُ أَرْضٍ مَاؤُهُ مَسُوسُ‏.‏

الجَلِيفُ من الأرض‏:‏ الذي جَلَفَتْه السنَةُ، أي أخَذَتُ ما عليها من النبات، والمَسُوس‏:‏ الماء العذب المَذَاقِ المريء في الدواب‏.‏

يضرب لمن حَسُنَتْ أخلاقه وقَلَّتْ ذاتُ يده‏.‏

955- جَعَلْتَ لِيَ الْحَابِلَ مِثْلَ النَّابِلِ‏.‏

يقال‏:‏ إن الحابل صاحبُ الحِبالة التي يُصَاد بها الوحشُ، والنابل‏:‏ صاحب النّبْل يعني الذي يَصِيد بالنبل، ويقال‏:‏ إن الحابل في هذا الموضع السَّدَى والنابل اللُّحْمَة‏.‏

يضرب للمخلط، ومثله ‏"‏اختلط الحابل بالنابل‏"‏‏.‏

956- جَذْبُ الزِّمَامِ يَرِيضُ الصِّعَابَ‏.‏

يضرب لمن يأبى الأمر أولا ثم ينقاد آخراً‏.‏

957- جَدَّ جِرَاءُ الْخَيْلِ فِيكُمْ يَاقُثَمُ‏.‏

يضرب في الْتِحَام الشر بين القوم‏.‏

958- جُلُوفُ زَادٍ لَيْسَ فِيهَا مَشْبَعُ‏.‏

الْجُلُوف‏:‏ جمع جِلْفٍ، وهو الظَّرْف والوِعاء، والمَشْبِع‏:‏ الشِّبَعَ‏.‏

يضرب لمن يتقلّد الأمور ولا غَنَاء عنده‏.‏

959- جَاءَ بِطَارِفَة عَيْنٍ‏.‏

أي بشيء تتحيَّر له العين من كثرته، يقال‏:‏ عين مَطْروفة، إذا أصيب طَرْفُهَا بشيء‏.‏

960- جَهِلَ مِنْ لَغَانِينَ سُبُلاَتٍ‏.‏

اللُّغْنُون‏:‏ مَدْخَل الأودية، وسُبُلاَت‏:‏ جمع سَبيل، مثل طُرُقات وصُعُدات في جمع طريق وصعيد‏.‏

وأصل المثل أن عمرو بن هند الملك قال‏:‏ لأجَلِّلَنَّ مواسل الرَّبْط، مصبوغا بالزيت، ثم لأشْعِلَنَّه بالنار، فقال رجل‏:‏ جَهِلَ من لَغَانين سُبُلات، أي لم يَعْلم مشقة الدخول من سُبُلات لَغَانين، يريد المضَايق منها، ومواسل ‏(‏في القاموس أن اسمه مويسل‏)‏‏:‏ في رأس جبل من جبال طيء ‏[‏ص 179‏]‏ يضرب مثلا لمن يُقْدم على أمر وقد جهل ما فيه من المشقة والشدة‏.‏

961- جَاءَ يَسُوقُ دَبَى دُبَيَّيْنِ‏.‏

أي يسوق مالاً كثيراً، وأنشد‏:‏ بَاتَتْ وبات ليلُها دَبَى دَبَى* أي ليلُها ليلٌ شديد‏.‏

962- جَاؤُا بِالْحَظِرِ الرَّطْبِ‏.‏

أي جاؤا بالكثير من الناس، وقال‏:‏

أعانت بنو الحرّيش فيها بأربع * وجاءت بنو العَجْلاَن بالحَظِرِ الرَّطْبِ

يمدح بني العجلان، وأصل الحظِرِ الحطبُ الرطْبُ يجعل منه الحظيرة للابل، ويحتاج فيها إلى كثرة، فصار عبارةً عن الشيء الكثير، ويعبر به أيضاً عن النميمة، ومنه قوله‏:‏ ولم يَمْشِ بين القوم بالحظِرِ الرَّطْبِ* أي بالنميمة، كما قيل في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حمالَةَ الحَطَبِ‏}‏في بعض الأقوال‏.‏

963- جَاءَ بِمَا صَأَى وَصَمَتَ‏.‏

يقال‏:‏ صَأَى يَصْأى صُئِيَّا، ثم يقلب فيقال‏:‏ صَاء يَصِيء مثل جَاء يَجيء، ومن هذا قولهم ‏"‏تلدغ العقربُ وتَصِيء‏"‏ أرادوا بما صأى الشاءَ والإبلَ، وبما صمت الذهبَ والفضة، ويقال بل معناه ‏"‏جاء بالحَيَوَان والجماد‏"‏ أي بالشيء الكثير، ومن هذا قول قصير بن سعد للزباء ‏"‏جئتُكِ بما صَأَى وصَمَتَ‏"‏ أي بكل شيء‏.‏

964- جَاءَ بِمَا أَدَّتْ يَدٌ إِلى يَدٍ‏.‏

يضرب عند الْخَيْبة، ويراد به تأكيد الإخفاق‏.‏

965- جَبَّتْ خُتُونَةٌ دَهْراً‏.‏

الجَبُّ‏:‏ القَطْع، والخُتُونة‏:‏ المصاهرة، ودهر‏:‏ اسم رجل تزوج امرأة من غير قومه فقطعته عن عشيرته، فقيل هذا‏.‏

يضرب لكل من قَطَعك بسبب لا بوجب القطع‏.‏

966- جَرْجَرَ لَمَّا عَضَّهُ الكَلُّوب‏.‏

الجَرْجَرَة‏:‏ الصوت، والكَلُّوب‏:‏ مثل الكُلاَّب وهو المِهْمَاز يكون في خُفِّ الرائِضِ يَنْخَسُ به جنبَ الدابة، وهذا مثل قولهم ‏"‏دَرْدَبَ لما عَضَّهُ الثَّقَاف‏"‏

يضرب لمن ذل وخضع بعدما عز وامتنع‏.‏

967- جَدُّكَ يَرْعَى نَعَمَك‏.‏

يضرب للمِضْيَاع المَجْدُود‏.‏

968- جَاءَ بِالْحِلْقِ وَالإِحْرَافِ‏.‏

الحِلْقُ بكسر الحاء‏:‏ الكثيرُ من المال وأحْرَفَ الرجلُ وأهرفَ إذا نما مالُه‏.‏

يضرب لمن جاء بالمال الكثير‏.‏ ‏[‏ص 180‏]‏

*3* ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.‏

969- أَجْبَنُ مِنَ الْمَنْزُوفِ ضَرِطاً‏.‏

قالوا‏:‏ كان من حديثه أن نسوة من العرب لم يكن لهنَّ رجلٌ، فزوجْنَ إحداهن رجلا كان ينام الضحى، فإذا أتينه بصَبُوح قُلْنَ‏:‏ قم فاصْطَبِحْ، فيقول‏:‏ لو نَبَّهْتنني لعاديةٍ، فلما رأين ذلك قال بعضهن لبعض‏:‏ إن صاحبنَا لشُجاع، فتعاَلَيْنَ حتى نجربه، فأتينه كما كنَّ يأتينه فأيقظنه، فقال‏:‏ لو لعادية نبهتنني، فقلن‏:‏ هذه نَوَاصي الخيل، فجعل يقول‏:‏ الخيل، الخيل، ويَضْرُط، حتى مات وفيه قول آخر، قال أبو عبيدة‏:‏ كانت دَخْتَنُوس بنتُ لقيط بن زُرَارة تحت عمرو بن عمرو، وكان شيخاً أبْرَصَ، فوضع رأسه يوماً في حِجْرها فهي تهمهم في رأسه إذ جَخَفَ عمرو وسال لُعابه، وهو بين النائم واليقظان، فسمعها تؤفِّف، فقال‏:‏ ما قلت‏؟‏ فحادت عن ذلك، فقال لها‏:‏ أيَسُرُّك أن أفارقك‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، فطلقها فنكحها فتى جَميل جسيم من بني زُرَارة، قال محمد بن حبيب‏:‏ نكحها عمير بن عمارة ابن معبد بن زرارة، ثم إن بكر بن وائل أغاروا على بني دارم، وكان زوجها نائما يَنْخَر، فنبهته وهي تظن أن فيه خيراً، فقالت‏:‏ الغارة، فلم يزل الرجل يَحْبق حتى مات، فسمى المنزوف ضرطا، وأخِذَت دَخْتَنُوس، فأدركهم الحى فطلب عمرو بن عمرو أن يَرُدُّوا دختنوس، فأبوا، فزعم بنو دارم أن عمرا قتل منهم ثلاثة رَهْطٍ، وكان في السَّرْعَان، فردوها إليه، فجعلها أمامه، وقال‏:‏

أيَّ خَلِيلَيْكِ وَجَدْتِ خَيْرَا * أألْعَظِيم فَيْشَةً وأيْرَا

أمِ الذي يأتِي العَدُوّ سَيْرا* وردها إلى أهلها‏.‏

ويقال في حديثه غير هذا، زعموا أن رجلين من العرب خَرَجا في فَلاَة، فلاحت لهما شجرة، فقال واحد منهما لرفيقه‏:‏ أرى قوما قد رَصَدُونا، فقال الرفيق‏:‏ إنما هو عُشَرة، فظنَّه يقول عَشَرَة، فجعل يقول‏:‏ وما غَنَاء اثنين عن عَشَرة‏؟‏ ويضرط حتى مات‏.‏

ويقال فيه وجه آخر، زعموا أنه كانت تحت لُجَيم بن صَعْب بن علي بن بكر بن وائل امرأةٌ من غنزة بن أسد بن ربيعة يقال لها حَذَامِ بنت العتيك بن أسلم بن يذكر ابن عنزة بن أسد بن ربيعة، فولدت له عجل ابن لجيم والأوقص بن لجيم، ثم تزوج بعد حذام صفية بنت كاهل بن أسد بن خزيمة، ‏[‏ص 181‏]‏ فولدت له حَنيفة بن لجيم، ثم إنه وقع بين امرأتيه تنازع فقال لجيم‏:‏

إذا قالت حَذَامِ فصدِّقوها * فإن القول ما قالت حَذَامِ

فذهبت مثلا، ثم إن عجل بن لجيم تزوج الماشرية بنت نهسر بن بدر بن بكر ابن وائل، وكانت قبله عند الأحرز بن عون العبدي فطلقها وهي نُسَءْ لأشهرٍ، فقالت لعجل حين تزوجها‏:‏ احفظ عليّ ولدي، قال‏:‏ نعم، فلما ولدت سماهُ عجل سعدا، وشبَّ الغلامُ فخرج به عجل ليدفعه إلى الأحرز بن عون وينصرف، وأقبل حنيفة بن لجيم من سفر فتلقاة بنو أخيه عجل فلم يَرَ فيهم سعدا، فسألهم عنه، فقالوا‏:‏ انْطَلَقَ به عجل إلى أبيه ليدفعه إليه، فسار في طلبه فوجده راجعا قد دفعه إلى أبيه، فقال‏:‏ ما صنعت يا عشمة‏؟‏ وهل للغلام أب غيرك‏؟‏ وجمع إليه بني أخيه، وسار إلى الأحرز ليأخذ سعدا، فوجده مع أبيه ومولًى له، فاقتتلوا فخَذَله مولاهُ بالتنحِّي عنه، فقال له الأحرز‏:‏ يا بنيّ، ألا تعينني على حنيفة‏؟‏ فكعّ الغلام عنه، فقال الأحرز‏:‏ ابنُكَ ابنُ بوحك، الذي يشرب من صَبُوحك، فذهبت مثلا، فضرب حنيفة الأحرز فجَذَمه بالسيف، فيومئذ سمى جَذِيمة، وضرب الأحرز حنيفة على رجله فحَنَفَها، فسمى حنيفة، وكان اسمه أثال بن لجيم، فلما رأى مولى الأحرز ما أصاب الأحرز وقع عليه الضراط فمات، فقال حنيفة‏:‏ هذا هو المنزوف ضرطا، فذهبت مثلا، وأخذ حنيفة سعدا فردَّه إلى عجل، فإلى اليوم ينسب إلى عجل‏.‏

ووجه آخر، زعموا أن المنزوف ضرطا دابة بين الكلب والذئب، إذا صِيحَ بها وَقَع عليها الضراط من الجُبْن‏.‏

970- أَجْرَأُ مِنْ ذُبَابٍ‏.‏

وذلك أنه يقع على أنفِ الملك، وعلى جفن الأسد، وهو مع ذلك يُذْادُ فيعود‏.‏

971- أَجْرَأُ مِنْ فَارِسِ خَصَافِ‏.‏

هو رجل من غسان أجْبَنُ مَنْ في الزمان يقف في أُخْرَيَاتِ الناس، وكان فرسُه خَصَافِ لا يُجَارى، فكان يكون أول مُنْهَزم، فبينا هو ذات يوم واقف جاءسَهْم فسقط في الأرض مُرْتَزًّا بين يديه وجعل يعتز، فقال‏:‏ ما اهتز هذا السهم إلا وقد وقع بشيء، فنزل وكشف عنه فإذا هو في ظهر يَرْبُوع، فقال‏:‏ أتَرَى هذا ظَنَّ أن السهم سيصيبه في هذا الموضع‏؟‏ لا المرء في شيء ولا اليربوع، فأرسلها مثلا، ثم تقدم فكان من أشد الناس بأساً، هذا قول محمد ابن حبيب‏.‏ ‏[‏ص 182‏]‏

وزعم أن ابن الأعرابي في أصل هذا المثل أن جند ملك من ملوك الفرس غَزَوْهم، وكان عندهم أن جنود النلك لا يموتون، فشدَّ فارس خَصَاف على رجل منهم فطعنه فخر صريعاً، فرجع إلى أصحابه فقال‏:‏ ويلكم القومُ أمثالكم يموتون كما نموت، فتعالوا نقارعهم، فشَدُّوا عليهم وهزموهم، فضرب بفارس خصاف المثل لإقدامه عليهم‏.‏

قال ابن دريد‏:‏ خضاف بالضاد المعجمة اسم فرس، وفارسه أحد فرسان العرب المشهورين، هذا قولُه، وغيره يروى بالصاد، وأما قولهم‏:‏

972- أَجْرَأُ مِنْ خَاصِي خَصَافِ‏.‏

فإنه رجل من بَاهِلة، وكان له فرس اسمه أيضاً خصاف، فَطلبه بعض الملوك للفِحْلَة فخصاه قال أبو الندى‏:‏ هو حَمَلُ بن يزيد ‏(‏سماه المجد حمل بن زيد‏)‏ ابن ذُهْل بن ثعلبة، خَصَى خصاف بحضرة ذلك الملك، وفيه يقول الشاعر‏:‏

تاللّه لو ألقى خصاف عشية * لكنت على الأملاك فارس أشأما

أي فارس شؤم‏.‏

973- أَجْرَأُ مِنَ الْمَاشِي بِتَرْج‏.‏

تَرْج‏:‏ مأسَدَة مثل حَلْية وخَفَّان ‏(‏حلية‏:‏ مأسدة بناحية اليمن، وخفان‏:‏ قرب القادسية‏.‏‏)‏

974- أَجْرأُ مِنْ خَاصِي الأَسَدِ‏.‏

يقال‏:‏ إن حراثا كان يَحْرث، فأتاه أسد فقال‏:‏ ما الذي ذَلَّل لك هذا الثور حتى يُطِيعك‏؟‏ قال‏:‏ إني خَصَيْته، قال‏:‏ وما الخِصاء‏؟‏ قال‏:‏ ادْنُ مني أُرِكَه، فدنا منه الأسد مُنْقَادا ليعلم ذلك، فشدوه وَثَاقاً وخَصَاه، فقيل‏:‏ أجرأ من خاصي الأسد‏.‏

975- أَجْرَى مِنَ الأَيْهَمَيْنِ‏.‏

قالوا‏:‏ هما السيل والجمل الهائج‏.‏ ويقال أيضاً‏:‏

976- أَجْرَى مِنَ السَّيْلِ تَحْتَ اللَّيْل‏.‏

977- أَجْوَدُ مِنْ حَاتِمٍ‏.‏

هو حاتم بن عبد الله بن سَعْد بن الحَشْرَج، كان جواداً شجاعاً شاعراً مُظَفراً، إذا قاتل غَلَب، وإذا غنم نهب، وإذا سُئل وهب، وإذا ضَرَب بالقِداح سَبَق، وإذا أسَرَ أطلق، وإذا أثْرى أنفق، وكان أقسم باللّه لا يقتل واحدَ أمه‏.‏

ومن حديثه أنه خرج في الشهر الحرام يطلب حاجة، فلما كان بأرض عنزة ناداه أسيرٌ لهم‏:‏ يا أبا سَفَّانة، أكَلَنِي الإسار والقمل، فقال‏:‏ ويحك‏!‏ ما أنا في بلاد قومي، وما معي شيء وقد أسَأْتَنِي إذ نَوَّهْتَ باسمي ومالَكَ مَتْرَك، ثم ساوم به العَنَزِيين، ‏[‏ص 183‏]‏ واشتراه منهم، فخلاَّه وأقام مكانه في قِدِّه حتى أتى بفدائه، فأدَّاه إليهم‏.‏

ومن حديثه أن ماويَّةَ امرأةَ حاتم حدَّثت أن الناس أصابتهم سَنَة فأذهبت الخُفَّ والظلف، فبتنا ذاتَ لَيلةٍ بأشدِّ الجوع، فأخذ حاتم عديًّا وأخذْتُ سفَّانة فعلَّلْنَاهما حتى ناما، ثم أخذ يُعَللني بالحديث لأنام، فرققت له لما به من الجَهْد، فأمسكت عن كلامه لينام ويظن أني نائمة، فقال لي‏:‏ أنِمْتِ‏؟‏ مراراً، فلم أجبه، فسكت ونظر من وراء الخِباء فإذا شيء قد أقبل فرفَع رأسَه، فإذا امرأة تقول‏:‏ يا أبا سَفَّانة أتيتُكَ من عند صِبْية جِياع، فقال‏:‏ أحضريني صبيانَكِ فواللّه لأشْبِعَنَّهم، قالت‏:‏ فقمتُ مُسْرِعة، فقلت‏:‏ بماذا يا حاتم‏؟‏ فوالله ما نام صِبْيَانك من الجوع إلا بالتعليل، فقام إلى فَرَسه فذبَحه، ثم أجَّجَ نارا ودفع إليها شَفْرة، وقال‏:‏ اشْتَوِي وكُلِي وأطْعِمِي ولدك، وقال لي‏:‏ أيْقِظِي صبيتَكَ، فأيقظتهما ثم قال‏:‏ واللّه إن هذا للؤم أنْ تأكُلُوا وأهلُ الصِّرْمِ ‏(‏الصرم - بالكسر - جماعة البيوت‏)‏ حالُهم كحالكم، فجعل يأتي الصِّرْمِ بيتا بيتا ويقول‏:‏ عليكم النار، فاجتمعوا وأكلوا، وتَقَنَّع بكسائه وقَعَد ناحيةً حتى لم يوجد من الفرس على الأرض قليل ولا كثير، ولم يَذُقْ منه شيئاً‏.‏

وزعم الطائيون أن حاتما أخذ الجودَ عن أمِّهِ غنية بنت عفيف الطائية، وكانت لا تليق شيئاً سَخَاء وجودا‏.‏

978- أَجْوَدُ مِنْ كَعْبِ بْنِ مَامَةَ‏.‏

هو إيادي، ومن حديثه أنه خرج في رَكْب فيهم رجل من النَّمِر بن قاسط في شهر نَاجِر فَضَلُّوا فتصافَنُوا ماءهم، وهو أن يُطْرَح في القَعْبِ حَصَاة ثم يُصَب فيه من الماء بقدر ما يغمر الْحَصَاة، وتلك الحصاة هي المَقْلة، فيشرب كل إنسان بقدر واحد، فقعدوا للشرب، فلما دار القَعْبُ فانتهى إلى كعبٍ أَبْصَرَ النمريَّ يحدِّد النظر إليه، فآثره بمائه، وقال للساقي‏:‏ اسْقِ أخاكَ النمري، فشرب النمري نصيبَ كعب ذلك اليوم من الماء، ثم نزلوا من غدهم المنزلَ الآخر، فتصافَنُوا بقية مائهم، فنظر إليه النمري كنَظَره أمسه، فقال كعبَ كقوله أمس، وارتحل القوم وقالوا‏:‏ يا كعب ارْتَحِلْ، فلم يكن به قوة للنهوض، وكانوا قد قربوا من الماء، فقيل له‏:‏ رِدْ كعبُ إنك وَرَّاد، فعجز عن الجواب، فلما يئسوا منه خَيَّلوا عليه بثوب يمنعه من السبع أن يأكله، وتركوه مكانه، ففَاظَ، فقال أبوه مامةُ يرثيه‏:‏

ما كان من سُوقَةٍ أَسْقَى على ظَمَإِ * خمراً بماء إذا ناجُودُها بَرَدَا ‏[‏ص 184‏]‏

مِنَ ابن مَامَةَ كعبٍ حين عَىَّ به * زَوُّ المنيةِ إلا حرة وَقَدَا

أوفى على الماء كعبٌ ثم قيل له‏:‏ رِدْ كعبُ إِنَّكَ وَرَّادٌ فما وَرَدَا

زو المنية‏:‏ قدرها، وعَىَّ به‏:‏ أي عيت به الأحداث إلا أن تقتله عَطشا‏.‏

979- أَجْسَرُ مِنْ قَاتِلِ عُقْبَةَ‏.‏

قال أبو عمرو القعيني‏:‏ هو عُقْبة بن سلم من بني هُنَاءة من أهل اليمن صاحب دار عُقْبة بالبصرة، وكان أبو جعفر وَجَّهه إلى البحرين، وأهل البحرين ربيعة، فقتل ربيعة قتلا فاحشاً، قال‏:‏ فانْضَمَّ إليه رجل من عبد القيس، فلم يزل معه سنين، وعزل عُقْبة فرجَعَ إلى بغداد، ورحل العَبْدِي معه، فكان عقبة واقفاً على باب المهدي بعد موت أبي جعفر، فشدَّ عليه العبدِيُّ بسكين فوجأه في بطنه فمات عقبة، وأُخِذَ العبديُّ فأدخل على المهدي، فقال‏:‏ ما حملك على ما فعلت‏؟‏ فقال‏:‏ إنه قَتَلَ قومي، وقد ظَفِرْتُ به غير مرة، إلا أني أَحْبَبْتُ أن يكون أمره ظاهراً حتى يعلم الناس أني أدركْتُ ثأري منه، فقال المهدي‏:‏ إن مثلك لأهل أن يستَبقى، ولكن أكره أن يجترئ الناس على القُوَّاد فأمر به فضُرِبت عنقه، ويقال‏:‏ إن الوَجْأة وقعت في شرجة منطقة عقبة، قال‏:‏ فجعل المهديُّ يسائل العبدي، والعبدي يبكي، إلى أن دخلَ داخل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين مات عقبة، فضحك العبدي، فقال له المهدي‏:‏ مِمَّ كنت تبكي‏؟‏ قال‏:‏ من خوف أن يعيش‏.‏ فلما مات أيقنتُ أني أدركت ثأري‏.‏

980- أَجْبَنُ مِنْ صَافِرِ‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ الصَّافِرُ كلُّ ما يصفر من الطير، والصفير لا يكون في سباع الطير وإنما يكون في خَشَاشها وما يُصَاد منها، وذكر محمد بن حبيب أنه طائر يتعلَّق من الشجر برجليه، وينكِّس رأسَه خوفا من أن ينام فيؤخذ، فيصفر منكوساً طول ليلته وذكر ابن الأعرابي أنهم أرادوا بالصافر المصفورَ به، فقلبوه أي إذ صُفِرَ به هرب‏.‏

ويقولون في مثل آخر ‏"‏جبان ما يلوي على الصفير‏"‏ وأرادوا بالمصفور به التُّنَوِّطَ، وهو طائر يحمله جُبْنه على أن ينسج لنفسه عُشًّا، كأنه كِيسٌ مدلى من الشجر ضيق الفم واسع الأسفل، فيحترز فيه خوفا من أن يقع عليه جارحٌ، وبه يضرب المثل في الحِذْق، فيقال ‏"‏أَصْنَعُ من تُنَوِّط‏"‏ وذكر أبو عبيدة أن الصافر هو الذي يصفر بالمرأة المريبة، وإنما يجبن لأنه وَجل مخافة أن يظهر عليه، ‏[‏ص 185‏]‏ وأنشد بيتي الكميت على هذا، وهو قوله‏:‏

أرجْوُ لكم أن تكونوا في مودتكم* وقد ذكرتُ القصة بتمامها والبيتين عند قولهم ‏"‏قد قلينا صفيركم‏"‏ في حرف القاف‏.‏

981- أَجْبَنُ مِنْ صِفْرِدٍ‏.‏

زعم أبو عبيدة أن هذا المثل مولد، والصفرد‏:‏ طائر من خَشَاش الطير، وقد ذكره الشاعر في شعره فقال‏:‏

تَرَاهُ كاللَّيْثِ لدى أَمْنِهِ * وفي الْوَغَى أَجبَنُ من صِفْرِدِ